الثلاثاء، 11 فبراير 2014
3:59 م

مختارات من شعر الحطيئة وأخباره الجزء -2-

بسم الله الرحمن الرحيم



مختارات من شعر الحطيئة وأخباره الجزء -2-







وقال الحطيئة:




ألا قالت أمامةُ هلْ تعزى ... فقلتُ أمامَ قد غلبَ العزاءُ
إذا ما العينُ فاض الدمعُ منها ... أقولُ بها قذى وهو البكاءُ
أقول بها قذًى فأعتلُّ بذاك. يقول: بكيتُ - وقبيح بالشيخ أن يبكي - اعتللت على من يحضرني.
لعمرك ما رأيتُ المرَء تبقي ... طريقته وإن طالَ البقاءُ
على ريبِ المنونِ تداولتهُ ... فأفنتهُ وليس له فناءُ
ريب المنون: ما يريبك من أحداثها. والمنون: الموت. قال أبو الهيثم: المنون يذكر ويؤنث. قال: وجعل الفعل للمنون دونَ الريب الذي أضافهُ إليها.
إذا ذهبَ الشبابُ فبانَ منهُ ... فليسَ لما مضي منه لقاءُ
يصبُّ إلى الحياةِ ويشتهيها ... وفي طولِ الحياةِ له عناءُ
يصبُّ: يأخذه لها صبابة؛ أي رقة. والعناءُ: المشقة.
فمنها أنْ يقادَ بهِ بعيرٌ ... ذلولٌ حين تهترشُ الضراءُ
أي فمنم المشقة؛ ذهب إلى المشقة دون العناء. أي قاد به بعيرٌ ذلول لا يفزع إذا اهترشت الكلابُ؛ أي يختارُ له بعير هذه صفته لئلا يحركه لكبره.
ومنها أن ينوء على يديه ... لينهض في تراقيه انحناء
أي يعتمد على يديه ليقوم وقد تحنت تراقيه لكبره. قال: والشيخ إذا أسن التقت ترقوتاه، يعني أنه تقرب إحداهما من الأخرى.
ويأخذه الهداجُ إذا هداهُ ... وليدُ الحيِّ في يده الرداءُ
هداه وليد الحي: قاده وأمسك بردائه من الكبر. والهداج والهدجان والهدجة والهدج: مقاربة الخطو ومداركته. قال هميان: جاءوا شماطيط وجئت هدجاً.
وينظرُ حوله فيرى بنيهِ ... حواءً حالَ دونهمُ حواءُ
الحواء: عشرة أبيات إلى الثلاثين. يقول: يكثرون حوله، لأنه قد أسنَّ.
ويحلفُ حلفةً لبني أبيه ... لأنتم معطشونَ وهمْ رواءُ
يروى: لبني بنيه. يقول: يختلط ويخرف فيخلطُ في كلامه. والمعطش: الذي دوابه عطاش. وكذلك المهزل: الذي دوابه مهازيل. والمغد: الذي بدوابه الغدة. وكذلك المصبح، والممرض.
قال: يقول لهم إبلكم وشاؤكم عطاش، وهي رواءٌ.


ويأمر بالركابِ فلا تعشى ... إذا أمسى وإن قربَ العشاءُ

يقول: احبسوها عن العشاءِ؛ وهذا من اختلاطه.
تقولُ له الظعينةُ أغنِ عنِّي ... بعيركَ حينَ ليس بهِ غناءُ
لا غناءَ عنده لضعفه فلا يقوَى على حبس البعير.
ألاَ أبلغْ بني عوفِ بن كعبٍ ... فهل حيٌّ على خلق سواءُ
يقول: أرى أخلاقكم مختلفة؛ فقد فضلكم هؤلاء.
عطاردها وبهدلةَ بن عوف ... فهل يشفي صدوركمُ الشفاءُ
يقول: هل يشفي صدوركم أن أبين لكم القصة؛ أي أبين لكم ما فعل بي.
ألمْ أكُ نائياً فدعوتموني ... فجاء بي المواعدُ والدعاءُ
ألمْ أكُ جاركم فتركتموني ... لكلبي في دياركمُ عواءُ
وآنيتُ العشاَء إلى سهيل ... أو الشعرى فطال بي الأناء
آنيت إيناءً: انتظرت وتمكثت. والأناءُ: الاسم؛ أي طال تمكثي وانتظاري لخيركم.
ألمْ أكُ جاركم ويكونَ بيني ... وبينكمُ المودةُ والإخاءُ
ولما أنْ أتيتكمُ أبيتمْ ... وشرُّ مواطنِ الحسبِ الإباءُ
ولمَّا أَنْ أتيتُهمُ حبوني ... وفيكمُ كان لو شئتمْ حباءُ
ولمَّا أنْ مدحتُ القومَ قلتُم ... هجوت، وهل يحلُّ لي الهجاءُ
فلم أشئتمْ لكمْ حسباً ولكنْ ... حدوت بحيث يستمعُ الحداءُ
حدوت: رفعت صوتي بمدحهم.
فلا وأبيكَ ما ظلمتْ قريعٌ ... بأن يبنوا المكارمَ حيث شاءوا
يقال للرجل: ما ظلم أن أشبهَ أباه، وليس منْ تظالم الناس؛ إنما هو مثل ظلم السقاء، ومظلوم التراب.
ولا وأبيكَ ما ظلمتْ قريعٌ ... ولا عنفوا بذاك ولا أساءوا
ما عنفوا بذاك: أي بالأمر الذي كسبوا به المحامد.
بعثرةِ جارهمْ أن ينعشوها ... فيغبر بعدها نعمٌ وشاءُ
يقول: يعطونه عطيةً ينجبر بها وتذهب مصيبته، فيبقى له مالٌ بعدُ من إبلٍ وشاءٍ.


فيبني مجدها ويقيمُ فيها ... ويمشي إنْ أريدَ به المشاءُ

يمشي: تكثر ماشيته. يقال: مشيت إبل بني فلان تمشى مشاءً: نمت وكثر نسلها. ويبني مجدها: يعني مجد النعم عن أبي الهيثم.
وإن الجارَ مثلُ الضيفِ يغدو ... لوجهتهِ وإنْ طالَ الثواءُ
يقول: الجارُ، وإنْ طال مقامه، كالضيف يغدو لوجهتهِ التي كان فيها، ويبقى عيبه وحديثه.
وإني قد علقتُ بحبلِ قومِ ... أعانهم على الحسبِ الثراءُ
الثراءُ: كثرةُ المال؛ أي أعانهم على معالي الأمورِ المالُ.
إذا نزلَ الشتاءُ بدار قومٍ ... تجنب جارَ بيتهم الشتاءُ
يقول: لا يصيب الشتاءُ جارهم ببرده وجوعه لإحسانهم إليه.
هم المتخفرونَ على المنايا ... بمالِ الجارِ ذلكمَ الوفاءُ
أي يقولون للجار: نحن ضامنون لك مالك إن طرد وهلك غرمناه لك.
يقولون: نحن نخفرك إن كثر مالك عندنا فهو لك، وإن قل وذهب به غرمناه.
هم الآسونَ أمَّ الرأس لمَّا ... تواكلها الأطبةُ والإساءُ
أمّ الرأس: الجلدة التي يكون فيها الدماغ. وتواكلها الأطبةُ: اتكل بعضهم على بعض. ويقال: نعم الإساء هذا؛ أي نعم الدواء والشفاءُ. يقول: هم المصلحون الفتق الذي أعيا المصلحين.
هم القومُ الذين إذا ألمتْ ... من الأيام مظلمةٌ أضاءوا
أي إذا ألمَّ أمر مظلم على الناس كشفوه. . قال خالد ابن كلتوم: الأيام هنا القحط والجدب. يقال: أضاءَ الشيءُ نفسه وأضاءَ غيره.
همُ القومُ الذين علمتموهم ... لدى الداعي إذا رفعَ اللواءُ
أي هم أول من يغيث الداعي إذا استصرخوا.
فأبقوا، لا أبالكمُ، عليهمْ ... فإنَّ ملامَةَ المولى شقاءُ
المولى هنا: ابن العم. يقول: إذا لمتَ مولاك فهو من الشقاءِ، وليس من السعادة أن تشتم مولاك ويشتمك.
وإنَّ أباهمُ الأَدْنَى أبوكمْ ... وإنَّ صدورهمْ لكمُ براءُ
وإنَّ بلاءهم ما قد علمتم ... على الأيام إنْ نفع البلاءُ
يقول: إن بلاءهم ما جربتموه قديماً وخبرتمونه إن نفعهم ذلك عندكم. قال أبو الهيثم: الأيام هنا الوقائع.
وإنَّ عديدهم يربى عليكمْ ... وإنَّ نماءهم لكم نماءُ
العديد: العدد. قال الشماخ:
على أمِّ بيضاَء السلامُ مضاعفاً ... عديدَ حصًى ما بين حمص وشيزرا



وثغرٍ لا يقامُ به كفوكمْ ... وكم يكُ دونهمْ منكمْ كفاءُ

الثغر: موضع المخافة، وهو الفرج. ويقال: ولي فلان الفرجين: سجستان وخراسان.
ترقى في أعنتها قريعٌ ... فسعدٌ كلها لهمُ الفداءُ
ترقى في أعنتها: أي تزداد خيراً كلما جوريت.
فإنكمُ وفقدكمُ قريعاً ... لكالماشي وليس له حذاءُ
ومعضلة تضيقُ بها ذراعي ... ويعوزها التحفزُ والبلاءُ
فلما أنْ دعوت لها بغيضاً ... أتاني حينَ أسمعهُ النداءُ
قال أبو حاتم: هذا آخرها.
وفي كتاب حماد الراوية زيادةٌ في هذا الموضع بيتان؛ قال أبو حاتم: مصنوعان مردودان:
بزاخرِ نائلٍ سبط ومجدٍ ... مخالطةُ العفافةُ والحياءُ
وأمضَى منْ سنانِ أزأنيٍّ ... طعنت به إذا كرهَ المضاءُ

0 التعليقات:

إرسال تعليق