الاثنين، 10 فبراير 2014
12:26 ص

قصيدة لقيط بن يعمر

بسم الله الرحمن الرحيم



قصيدة لقيط بن يعمر



قال لقيط بن يعمر الإيادي ينذر قومه غزو كسرى إياهم، وكان لقيط كاتباً في ديوان كسرى؛ فلما رآه مجمعاً على غزو إياد كتب إليهم بهذا الشعر؛ فوق الكتاب بيد كسرى، فقطع لسان لقيط، وغزا إياداً:
يا دارَ عمرةَ منْ محتلِّهَا الجرعَا ... هاجَتْ لي الهمَّ والأحزانَ والوجعَا
الجرَع، والأجْرَع، والجرعاءُ: الرملة لا تنبت.
تامتْ فؤادي بذاتِ الجزعِ خرْعَبَةٌ ... مرت تريدُ بذاتِ العذبةِ البيعَا
تامتْ تيمتْ؛ أي عبدتْ وذللتْ. ومنه تيم الله، كأنه عبد الله. الجزع: منعطف الوادي. والخرعبة: الشابة الحسنة القوام.
بمقلتي خاذلٍ أدماَء طاعَ لها ... نبتُ الرياضِ تزجى وسطهُ ذرعَا
الذرع: ولد البقرة الوحشية.
وواضح أشنبِ الأنيابِ ذي أشرٍ ... كالأقحوانِ إذا ما نوره لمعا
الشنب: دقة في الأسنان. والأشر: حسن الأسنان وحدة أطرافها.
جرت لما بيننَا حبلَ الشموسِ فلا ... يأساً مبيناً أرى منها ولا طمعَا
الشموس من الدوابّ: الذي لا يكادُ يستقر. شمس يشمس شموسا.
فما أزالُ على شحطٍ يؤرقني ... طيفٌ تعمد رحلي حيثما وضعا

إني بعينيَ إذْ أمتْ حمولهمُ ... بطنَ السلوطحِ لا ينظرنَ منْ تبعَا

طوراً أراهم وطوراً لا أبينهم ... إذا تواضعَ خدرٌ ساعةً لمعَا
بل أيها الراكب المزجي مطيتهُ ... إلى الجزيرة مرتاداً ومنتجعا
الارتياد والنجعة: طلب الكلإ. وانتجعت فلاناً: طلبت خيره
أبلغْ إياداً وخلل في سراتهم ... أنى أرى الرأي إن لم أعصَ قد نصعَا
نصع: وضح.
يا لهفَ نفسي إنْ كانتْ أموركمُ ... شتى وأحكمَ أمرُ الناسِ فاجتمعا
إني أراكم وأرضاً تعجبونَ بها ... مثلَ السفينةِ تغشَى الوعثَ والطبعَا
الوعث: أرض مسترخية رطبة. والطَّبع: الصدأ يكثر على السيف. والطبع: تدنس العرضِ وتلطخه. واستعاره. والطبع: الدنس.
ألا تخافونَ قوماً لا أبا لكمُ ... أمسوْا إليكم كأمثالِ الدبَى سرعَا
أبناءُ قومٍ تآووكُم على حنقٍ ... لا يشعرونَ أضرَّ اللهُ أمْ نفعا
ويروى: تأيوكم.
أحرارُ فارسَ أبناءُ الملوكِ لهم ... من الجموعِ جموعٌ تزدهي القلعا
القلع: السحاب العظيم. ازدهيت فلاناً: تهاونت به.
فهم سراعٌ إليكم، بينَ ملتقطٍ ... شوكاً، وآخر يجني الصابَ والسلعَا
الصاب والسلع: شجرانِ مرانِ. كنَى بذلك عن السلاح.
لو أن جمعهم راموا بهدته ... شمَّ الشماريخِ منْ ثهلانَ لانْصدعَا
الشماريخ والشناخيب: رءوس الجبال.
في كل يومٍ يسنونَ الحرابَ لكمْ ... لا يهجعونَ إذا ما غافلٌ هجعا

خزرٌ عيونهم كأنَّ لحظهمُ ... حريقُ غابٍ ترى منه السنَا قطعَا

السنا: الضوء. تخازر: قبض جفنه ليحددَ النظر.
لا الحرثُ يشغلهم بل لا يرونَ لهمْ ... منْ دون بيضتكم رياً ولا شبعا
البيضة هاهنا كناية عن عقر الدار محلة القوم.
وأنتم تحرثونَ الأرضَ عنْ سفهٍ ... في كل معتملٍ تبغونَ مُزدرعَا
وتلقحون حيالَ الشولِ آوِنةً ... وتنتجونَ بدارِ القلعةِ الربعَا
حالت الناقة تحولُ حيالاً: إذا لم تحمل؛ فهي حائل. والجمع حيال. فأما قولهم: لا أفعل ذلك ما أرزمتْ أمُّ حائل. فإن الناقة إذا ولدت ووقع على الولد اسم التذكير والتأنيث؛ فإن الذكر سقب والأنثى حائل.
هذا منزل قلعةٍ: إذا لم يكن مستوطناً؛ والقوم على قلعةٍ: أي رحلة.
وتلبسون ثيابَ الأمنِ ضاحيةً ... لا تفزعونَ وهذا الليثُ قد جمعا
وقد أظلكمْ منْ شطرِ ثغرِكم ... هولٌ له ظلمٌ تغشاكمُ قطعَا
مالي أراكمْ نياماً في بلهنيةٍ ... وقد ترونَ شهابَ الحربِ قد سطعا
البلهنية: العيش اللين.
فاشفوا غليلي برأيٍ منكمُ حصدٍ ... يصبحْ فؤادي له ريانَ قد نقعا
حصدٍ: محكم؛ من قولهم: درع حصداء: محكمة.
والنقع: ذهاب العطش.
ولا تكونوا كمنْ قد بات مُكتنعاً ... إذا يقالُ له افرجْ غمةً كنعَا
مكتنع مجتمع. اكتنع القوم: اجتمعوا. وكنعت العقابُ جناحها للانقضاض. والكنع: تشنج الأصابع وتقبضها.
يسعى ويحسبُ أنَّ المالَ مخلدهُ ... إذا استفاد طريفاً زادهُ طمعا
فاقنوا جيادَكمُ واحملوا ذِماركمُ ... واستشعروا الصبرَ لا تستشعرُوا الجزعَا
الذمار: ما لزمك حفظه.

ولا يدعْ بعضكم بعضاً لنائبةٍ ... كما تركتم بأعلى بيشةَ النخعَا

صونوا جيادَكمُ واجلوا سيوفكمُ ... وجددوا للقسيِّ النبلَ والشرعَا
الشرع: الأوتار، الواحدة شرعة.
أذكوا العيونَ وراَء السرح واحترسوا ... حتى ترى الخيلُ من تعدائها رجعا
رجعا: ترجع أيديها في السير.
واشروا تلادكمُ في حرز أنفسكم ... وحرزِ أهليكم لا تهلكوا هلعَا
فإنْ غلبتُم على ضنٍّ بدراكمُ ... فقد لقيتم بأمرِ الحازم الفزعَا
لا تلهكُم إبلٌ ليستْ لكمْ إبلٌ ... إنَّ العدوَّ بعظمٍ منكمُ قرعا
لا تثمروا المالَ للأعداءِ إنهمُ ... إنْ يظهروا يحتووكم والتلادَ معا
هيهاتَ لا مالَ من زرع ولا إبلٍ ... يرجى لغابركم إنْ أنفكم جدعا
واللهِ ما انفكتِ الأموالُ مذْ أبدٍ ... لأهلها إنْ أصيبوا مرةً تبعَا
يا قوم، إنَّ لكمْ من إرثِ أولكم ... مجداً قد أشفقتُ أنْ يفنى وينقطعا
ماذا يردُّ عليكم عزّ أولكم ... إنْ ضاعَ آخرهُ أوْ ذلّ واتضعَا
يا قومِ، لا تأمنوا، إنْ كنتمُ غيراً ... على نسائكمُ كسرى وما جمعَا

يا قومِ بيضتكمْ لا تفجعنَّ بها ... إني أخافُ عليها الأزْلمَ الجذعَا

الجذَع من الإبل: الذي أتى له خمس. ومن الشاءِ: ما تممت له سنة. ويقال للمهر في السنة الثانية جذع. ويقال للدهر: الأزلم الجذع؛ لأنه جديدٌ أبداً. وقوله: ألقى على يديه الأزلم الجذع. يقال: أراد الدهرَ، ويقال: أراد الأسد.
هو الجلاءُ الذي يجتثُّ أصلكمُ ... فمنْ رأى مثلَ ذا رأياً ومنْ سمعَا
قوموا قياماً على أمشاطِ أرجلكم ... ثم افزعوا قد ينالُ الأمنَ منْ فزِعا
المشط: سلاميات ظهر القدم؛ وهي عظام الأصابع، واحدتها سلامى.
وقلدوا أمركم، للهِ دركمْ ... رحبَ الذراعِ بأمرِ الحرب مضطلعا
الضلاعة: القوة. وفلان يضطلع بهذا الأمر: أي تقوى ضلاعهُ على حمله.
الدر: اللبن. ولله دره: أي لله عمله. ويقولون في الذم: لا درّ درّه: أي لا كثر خيره.
لا مترفاً إنْ رخاءُ العيشِ ساعدهُ ... ولا إذا عضَّ مكروهٌ به خشعا
الترفه: النعمة.
لا يطعم النومَ إلا ريثَ يبعثه ... هم يكادُ سناهُ يقصمُ الضلعَا
القصم: أن ينصدع الشيءُ من غير أن يبين. وكل منثنٍ مقصوم. والريث: الإبطاءُ. ورجلٌ ريث: بطيء.
مسهدَ النومِ تعنيهِ أموركمُ ... يرومُ منها إلى الأعداءِ مطلعَا
ما انفكَّ يحلبُ هذا الدهرَ أشطرَه ... يكونُ متبعاً طوراً ومتبعا
قولهم: حلب فلانٌ الدهر أشطره: معناه مرت عليه ضروب من خيره وشره. وأصل ذلك من أخلاف الناقة: لها خلفان قادمان، وخلفان آخران؛ فكل خلفين شطر.
حتى استمرتْ على شزرٍ مريرته ... مستحكمَ الرأي لا قحماً ولا ضرعا
القحم: الشيخ الهم. والضرع: الرجل الضعيف. والحبل المشزور: المفتول مما يلي اليسار. وأمرتُ الحبلَ: شددتُ فتله. والمرة: شدة الفتل. والمرير: الحبل الشديد فتلاً.

وليس يشغله مالٌ يثمره ... عنكم ولا ولدٌ يبغي له الرفعا
كما لكِ بن قنانٍ أو كصاحبهِ ... عمرو القنا يومَ لاقَى الحارثينِ معَا
إذْ عابهُ عائبٌ يوماً فقال له: ... دمثْ لجنبكَ قبلَ الليل مضطجعَا
الدمث: اللين. والمكان اللين: دمث. ويكون ذا رمل. والدماثة: سهولة الخلق.
فشاوروه فألفوهُ أخا عللٍ ... في الحربِ لا عاجزاً نكساً ولا ورعَا
ورع: جبان.
لقد بذلتُ لكم نصحي بلا دخلٍ ... فاستيقظوا؛ إن خيرَ العلمِ ما نفعَا
الدخل كالدغَل. والدخَل: العيب في الحسب. وبنو فلان في بني فلان دخل: إذا انتسبوا معهم، وليسوا منهم.
هذا كتابي إليكم والنذيرُ لكمْ ... لمنْ رأى رأيه منكمْ ومن سمعَا

0 التعليقات:

إرسال تعليق